"سيسألك العالم من أنت ، وإذا كنت لا تعرف ، فسيخبرك العالم". - كارل يونغ.
هناك توقع اجتماعي دائم بأن تقوم بتعريف نفسك وتحدد هويتك بشكل واضح للناس، سواء كان ذلك في مجال العمل، الأسرة، أو في الحياة الاجتماعية.
إذا لم تكن على دراية تامة بمن أنت، ستجد أن الآخرين يعملون على تحديد هويتك بناءً على وجهات نظرهم أو توقعاتهم عنك.
هذا الأمر يجعلك تتموضع في شكل ورؤى متزعزعة، تسعى فيها شخصيتك أن تكون في مسيرة ونمط يتماشى مع "الجميع".
ومتى ما سعيت لأن تصبح الصورة المناسبة للجميع، أصبحت غير معروف أبداً ولا يمكن لك أن تعرف نفسك بشكل صحيح.
في هذه السنة حظيت بفرصة الجلوس مع أبرز المستثمرين ورواد الأعمال في المملكة.
من الاستثمار مع إيلون ماسك، إلى ملاك صناديق ومؤسسي شركات أصبحت عملاقة، والتعرف على رواد أعمال وصلوا إلى القمة، ثم خسروا كل شيء، ثم العودة أقوى مما كانوا، واليوم شركاتهم أصبحت شركة عالمية بدأت من السعودية.
وزملاء وأصدقاء شاهدت بدايتهم سوياً، وكنت قريب لمعاناتهم في البدايات لتحقيق النجاح في مشاريعهم، إلى مرحلة الانطلاق القصوى والنمو المتسارع، والذي يشهد لهم فيه بالنجاح!
في كل لقاء مع الأشخاص في منظومة ريادة الأعمال، أسعى للوصول إلى أشخاص لا يشبهونني أبداً، الأشخاص الذين خاضوا تجارب وظروف جعلتهم يصلون إلى مراحل قد لا يستوعبها الإنسان العادي المحاط والمقيد بتفكير المجتمع.
مهما اختلفت تجارب الناس والقصص التي خاضوها، يتفقون جميعهم على شيء واحد فقط.
التجربة هي الوسيلة.
كل إنسان متميز قابلته وترك بصمة في حياتي كان شخص راديكالي شاء أم أبى، شخص لا يؤمن بقوالب التفكير التي يفكر بها المجتمع.
إذا كان هناك وصف واحد أرغب بوصف سنة 2024 بالنسبة لي، فهي سنة هدم "المسلمات العقلية" التي أمتلكها حول ريادة الأعمال والاستثمار.
كل شيء كنت مؤمناً به، اليوم أصبحت في محل تساؤل وتحليل عميق حوله.
من أبسط وأتفه الأسئلة والإجابات والقناعات، إلى أعمقها وأشملها.
أصبحت أتسائل عن كل قناعة موجودة لدى مجتمع الرياديين والمستثمرين.
لماذا يؤمنون بما يؤمنون به من قناعات؟
ما هي التجارب التي خاضوها والتي جعلتهم يستخدمون هذه المسلمات كمنهجية تفكير في اتخاذ القرار والتحليل؟
غالباً سنجد أنهم يؤمنون لأن غيرهم آمن، من باب إدارة المخاطر، وهذا توجه ذكي وصحيح.. من باب الاحتكام إلى أن أغلب المشاريع والمبادرات تفشل ولا ترى النور والنجاح المتوقع.
لكن ماذا عن الذين نجحوا؟ لماذا قاوموا وصمدوا عندما كانت كل الدلائل ضدهم؟
الدرس الأول: لا تقم بمدح أو انتقاص شركة لم ترى قوائمها المالية.
نسمع الكثير من قصص النجاح الموجودة من حولنا ممن هم في المجال.
ولكن المشكلة لدينا تكمن في تقييم مفهوم "النجاح".
هل نصف الناجح بأنه ناجح بسبب أنه الأعلى تقييماً في جولته الاستثمارية؟
أم لكونه الأبرز ظهوراً بشكل إعلامي في وسائل التواصل والمعارض؟
نجاح نموذج الاستثمار الجريء في الشركات الناشئة هو في تسييل الحصة وتحويلها إلى كاش.
ويتم هذا الأمر عبر التخارج بصيغة الاندماج والاستحواذ، الطرح في الأسواق العامة.
دون ذلك، يكون المؤسسين وأصحاب الشركات في مرحلة السعي، مرحلة الوصول إلى النتائج السابقة.
كلام المجالس والنقد والذم حول شركة أو فريق أو مؤسس بعينه، مليء بالشخصنة والتسلية.
وهذا من الغيبة والعياذ بالله، جزء كبير من المحادثات التي مررت بها في هذه السنة لم تمتلك أدلة، والذمة تكون دائماً شخص في المنتصف لا نعلم نيته والأسباب النفسية التي جعلته يتحدث بهذه الطريقة.
لذلك كما كانت العرب تقول حول الصديق، بأنك لا تعرفه قد المعرفة إلا إذا سافرت معه.
في مجتمع ريادة الأعمال، لا تعرف الشخص إلا إذا عملت معه.
الدرس الثاني: قيمتك لدى مجتمع ريادة الأعمال، بقيمة الفائدة التي تقدمها لهم.
لن يجتمع الجميع على محبتك.
وسيكون من الغباء الغضب من حقيقة هذه القاعدة.
محاولة تصحيح رأي الجميع حولك - إذا لم تكن مخطئا بالطبع - لتغيير رأيهم فيك هو واحد من أكثر المشاريع الفاشلة التي ستخوضها في حياتك.
إذا كانت 9 من 10 مشاريع ناشئة تفشل ( رغم عدم قناعتي بهذه العبارة ).
فإن 10 من 10 محاولات لتغيير الصورة الأولية بين مجتمع رواد الأعمال تفشل.
لماذا؟
لأن الشخص الذكي، الذي يمتلك شخصية واسعة الحلم.. يعلم جيداً أن الصورة الذهنية الأولية لشخصٍ ما مرتبطة بظروف ووقائع تلك اللحظة.
لن تجد شخصاً ناجحاً يحكم على الناس بسرعة.
الأشخاص الناجحون، هم أوسعهم حلماً وحكماً، يعلمون جيداً أن البشر يمكن أن يتغيروا بسرعة إذا استدركوا أخطائهم.
فلماذا تحكم على شخصٍ ما بسبب موقف سيء واحد لسنين طويلة؟
الكثير من الحساسيات الموجودة سببها عدم التأكد والجزم من حقيقة الادعاءات التي نسمعها عن الناس والكيانات والجهات، جزء كبير من الشخصنة قد تأتي بسبب انشغالك عن الناس!
نحن اجتماعيون بطبعنا، أبسط وأسهل الأمور في التعامل والتواصل تجعلنا نعظم من محبة أو نعظم من الانتقاص من الأشخاص الذين نقصدهم.
وهذا الأمر يظلم الإنسان المشغول، ليس الجميع بنفس الطاقة الاجتماعية المرحبة والإيجابية.
التفرغ للوصول إلى الأهداف جزء مهم من الرحلة.
لذلك نجد تناقضاً فظيعاً في هذه القاعدة، نزدري الشخص المشغول والذي نحسب أنه مترفع عنا، ونحب أن نعمل معه بسبب تركيزه وإتقانه وتفرغه التام للإنتاجية!
الدرس الثالث: لا تكن في المقدمة دائماً.
أستطيع أن أقول، أن هذا أهم درس تعلمته في 2024.
لم أكن أتوقع في حياتي أن الشيء الذي أمتاز به، قد ينعكس سوءاً ضدي في بعض المواقف والأماكن.
هذا الأمر حدث لي بسبب أنني كنت في واجهة الأمر في المعركة الخطأ!
لن تفوز بكل المعارك لأنك الخيّال الأفضل، أو القناص الأفضل!
كل معركة لها ديناميكيتها، كونك جيد في شأن معين، لا يعطيك مناطق العبور والنجاح في كل الأمور الأخرى.
اعرف نقاط ضعفك جيداً، واعمل في الخلفية إلى أن تمتلك الجودة المناسبة لتصبح في الأمام.
من هنا تبرز أهمية الشراكات والتعاونات في السوق.
الشراكات تغطي مساوئ الشركات والأفراد فيما بينهم، وتقوم بجبر الأخطاء والتقصير الذي يحدث.
وتهيئ هذا التحالف إلى المعارك الكبرى والأفضل.
لا توجد امبراطورية قامت بالأفراد الأوائل الذين قاموا بإنشائها، كل الامبراطوريات العملاقة تطلب الأمر خلال الرحلة بعض التنازلات، وبعض الخضوع والتراجع، للوصول إلى الصيغة الأفضل من الشمولية التي تجعل أرضيتك صلبة وغير قابلة للزعزعة.
الدرس الرابع: الجميع لديه خطة من الاستفادة من البيانات، لست العبقري الوحيد في المجرة!
من التقنية المالية - إلى التجزئة - والمنتجات اللوجستية، الجميع يريد الاستفادة من البيانات.
قد تجد نفسك مصدوماً ومنذهلاً من قوتك العقلية والابتكارية التي جعلتك ترى القيمة التي يمتلكها مشروعك من البيانات التي قام بتحصيلها.
تهانينا!
أنت المشروع رقم 648201 من حول العالم الذي قام بالتفكير بهذه الطريقة.
امتلاكك للبيانات هو النتيجة الحتمية من كونك تقدم منتج تقني!
ليس ميزة تنافسية، ليست ميزة تضمن لك النجاح، وأبصم لك بالعشر أنك لست الوحيد الذي يفكر بهذه الطريقة.
الشركات التقنية تقوم على زعزعة نماذج العمل التقليدية الموجودة في مختلف القطاعات.
جزء من هذه الزعزعة تكمن في امتداد البيانات وفرصة تحويلها إلى وسائل إيرادات مستقبلية.
هذه هي الاستراتيجية الخاصة بالنمو لدى كثير من الشركات التي أراها اليوم وأسمع من المستثمرين، ورواد الأعمال، وغيرهم من العاملين في المجال.
لذلك تعامل مع البيانات التي ستقوم بامتلاكها، أو التي قمت بامتلاكها بالأساس.. كحصيلة عمل مثلها مثل الإيرادات وأعداد العملاء وغيرها من الأمور.
رغم انتصاف عام ٢٠٢٥؛ إلا أن من فضل الله خرجت من هذا المنشور بـ 6 دروس نافعة لاتزال ذات صلة:
1. لا تعتمد على آراء الآخرين في تحديد هويتك أو نجاحك.
2. شكّك في كل القناعات السائدة وحلّلها بناءً على التجارب.
3. قيّم النجاح بالمعايير المالية (التسييل)، لا بالشهرة أو التقييمات.
4. ركز على الفائدة العملية والأثر بدلًا من محاولة تغيير آراء الناس عنك.
5. اختر معاركك بحكمة، واعمل في الخفاء عندما يتطلب الأمر.
6. لا تبالغ في تقدير البيانات؛ فهي أداة مشتركة وليست ضمانًا للتفرد.
شكرًا لهذا الكرم المعرفي، ودمتم مباركين✨